متلازمة العش الفارغ: الأسباب والأعراض والعلاج والتشخيص

متلازمة العش الفارغ هي حالة تؤثر في الآباء عندما يغادر أطفالهم المنزل، وتتميَّز بالشعور بالوحدة والحزن والفقدان الذي قد يستمر لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات، ويأتي اسم المتلازمة من حقيقة أنَّ منزل الوالدين يصبح فارغاً ويعمُّه الهدوء والوحدة بعد مغادرة الأطفال للمنزل، وإنَّه حدث هام في الحياة ربما تكون له آثار إيجابية وسلبية في صحة الوالدين العقلية والعاطفية، في حين أنَّ بعض الآباء قد يشعرون بإحساس بالراحة والحرية المكتشَفة حديثاً، قد يعاني آخرون من مشاعر الخسارة وانعدام الهدف.

تعدُّ متلازمة العش الفارغ موضوعاً ذا أهمية كبيرة؛ وذلك لأنَّه يؤثر في نسبة كبيرة من الآباء، ووفقاً لمركز "بيو" للأبحاث، زادت نسبة البالغين في الولايات المتحدة الذين يعيشون في أسر ليس لديها أطفال دون سن 18 عاماً خلال العقود القليلة الماضية، من 52% في عام 1960 إلى 66% في عام 2020؛ ونتيجة لذلك، فإنَّ مزيداً من الآباء يمرون بمرحلة الانتقال من منزل عائلي مزدحم إلى عش فارغ.

قد يكون التأثير العاطفي لهذا الانتقال كبيراً، ومن الضروري فهم الأسباب والأعراض وخيارات العلاج لمتلازمة العش الفارغ، فمن خلال القيام بذلك، يمكننا دعم الآباء في رحلتهم مع العش الفارغ ومساعدتهم على الحفاظ على صحتهم العقلية والعاطفية خلال هذا الوقت الصعب.

أسباب متلازمة العش الفارغ:

1. التغيرات الطبيعية في الحياة:

أحد الأسباب الرئيسة لمتلازمة العش الفارغ هو التغيرات الطبيعية في الحياة التي تأتي مع مغادرة الأطفال للمنزل، فقد يكون الآباء قد قضوا الـ 18 عاماً الماضية أو أكثر في التركيز على تربية أطفالهم، وعندما يغادرون المنزل، قد يشعر الآباء بالفقدان أو الحزن أو الفراغ.

يتعطل فجأة الروتين اليومي لرعاية الأطفال، وقد يكافح الآباء للتكيف مع الواقع الجديد لمنزل أكثر هدوءاً وفراغاً، إضافة إلى ذلك، قد يشعر الآباء بالشيخوخة أو الموت عندما يغادر أطفالهم المنزل؛ وذلك لأنَّهم يدركون أنَّهم لم يعودوا مركز حياة أطفالهم.

2. فقدان الهوية:

بالنسبة إلى معظم الآباء، ترتبط هويتهم ارتباطاً وثيقاً بدورهم بصفتهم آباء، فعندما يغادر أطفالهم المنزل، قد يشعر الآباء بفقدان الهوية والهدف والاتجاه، وقد لا يكون لديهم نفس المستوى من المسؤولية أو التأثير في حياة أطفالهم، وهذا قد يؤدي إلى الشعور بالضياع أو انعدام الاتجاه، كما قد يمثل فقدان الهوية هذا تحدياً خاصاً للآباء الذين كرسوا جزءاً كبيراً من حياتهم لتربية أطفالهم.

3. الخوف من الشعور بالوحدة:

سبب آخر لمتلازمة العش الفارغ هو الخوف من الشعور بالوحدة، فبعد سنوات من العيش مع الأطفال، قد يعاني الآباء من الهدوء المفاجئ في منزلهم، وقد يقلقون من الشعور بالعزلة أو الانفصال عن شبكاتهم الاجتماعية، وهذا الخوف ربما يؤدي إلى القلق والاكتئاب، إضافة إلى ذلك، قد يقلق الآباء بشأن سلامة أطفالهم ورفاههم، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر.

4. أهداف غير محقَّقة:

قد تحدث متلازمة العش الفارغ بسبب أهداف غير محققة، فعندما يكون للوالدين أطفال، فقد يضعون أهدافهم وأحلامهم في الانتظار للتركيز على تربية أطفالهم، وعندما يغادر أطفالهم المنزل، قد يدرك الآباء أنَّهم لم يحققوا بعض الأهداف التي حددوها لأنفسهم في وقت مبكر من الحياة، وربما يؤدي ذلك إلى الشعور بالندم أو خيبة الأمل، وقد يكون من الصعب على الآباء العثور على أهداف أو اتجاهات جديدة في الحياة.

شاهد بالفيديو: 8 عوامل لقياس تحقيق الأهداف

أعراض متلازمة العش الفارغ:

1. مشاعر الحزن:

أحد أكثر أعراض متلازمة العش الفارغ شيوعاً هو الشعور بالحزن، فقد يشعر الآباء بالخسارة لأنَّهم يتأقلمون مع الحياة دون أطفالهم، وقد يواجهون مجموعة من المشاعر، مثل الضيق والاكتئاب والقلق، فقد تكون هذه المشاعر شديدة وخاصةً خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة الأولى بعد مغادرة الأطفال للمنزل، ولكنَّها قد تستمر لفترات أطول اعتماداً على آليات التأقلم ونظام الدعم لدى الفرد.

2. القلق والاكتئاب:

القلق والاكتئاب من الأعراض الشائعة لمتلازمة العش الفارغ، فقد يقلق الآباء بشأن سلامة أطفالهم ورفاههم، أو قد يقلقون بشأن مستقبلهم دون أطفالهم، وربما تتفاقم مشاعر القلق هذه بسبب الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية؛ إذ يتكيف الآباء مع منزل أكثر هدوءاً وفراغاً، وقد يكون الاكتئاب أيضاً من الأعراض الشائعة، فمن الممكن أن يعاني الآباء من مشاعر اليأس ونقص الحافز وفقدان المتعة في النشاطات التي كانوا يتمتعون بها من قبل.

3. عدم وجود الدافع:

يعد نقص الحافز عرضاً آخر لمتلازمة العش الفارغ، فقد يكافح الآباء لإيجاد إحساس بالهدف أو التوجه دون أطفالهم، وهذا قد يؤدي إلى الشعور بالملل واللامبالاة، كما قد يجدون صعوبة في العثور على المتعة في النشاطات التي استمتعوا بها من قبل، وقد يفتقرون إلى الدافع لتجربة أشياء جديدة أو متابعة اهتمامات جديدة، فيمكن أن يكون هذا النقص في الحافز تحدياً وخاصةً للآباء الذين أمضوا معظم حياتهم يركزون على أطفالهم.

4. صعوبات العلاقة الزوجية:

قد تسبب متلازمة العش الفارغ أيضاً صعوبات في العلاقة؛ إذ يمثل الانتقال من منزل عائلي مزدحم إلى عش فارغ تحدياً للأزواج، فيتكيفون مع قضاء مزيد من الوقت وحدهم معاً، وقد يكافحون من أجل التواصل بشكل فعال أو إيجاد طرائق جديدة لقضاء الوقت معاً، إضافة إلى ذلك، إذا كان أحد الشريكين يعاني من متلازمة العش الفارغ والآخر لا يعاني منها، فقد يؤدي ذلك إلى توتر وصراع في العلاقة.

علاج متلازمة العش الفارغ:

1. مجموعات الدعم:

أحد العلاجات الفعالة لمتلازمة العش الفارغ هو المشاركة في مجموعات الدعم؛ إذ تُوفِّر مجموعات الدعم بيئة آمنة وداعمة للآباء لمشاركة تجاربهم ومشاعرهم ومخاوفهم مع الآخرين الذين يمرون بمرحلة انتقالية مماثلة في الحياة، فقد يقود هذه المجموعات متخصصون في الصحة العقلية أو غيرهم من المعالجين المدرَّبين، ويمكنهم تقديم دعم عاطفي قيِّم ونصائح عملية عن استراتيجيات المواجهة.

2. العلاج النفسي:

قد يكون العلاج النفسي أيضاً علاجاً فعالاً لمتلازمة العش الفارغ؛ إذ يمكن للمعالج أن يساعد الوالدين على التعامل مع مشاعر الفقد والحزن والقلق، وتطوير استراتيجيات التأقلم لإدارة هذه المشاعر، كما قد يساعد العلاج الآباء على تحديد ومعالجة أيَّة حالات صحية عقلية أساسية، مثل الاكتئاب أو القلق التي قد تؤدي إلى تفاقم أعراض متلازمة العش الفارغ.

3. الرعاية الذاتية:

تعد الرعاية الذاتية جانباً أساسياً من جوانب علاج متلازمة العش الفارغ، فيجب على الآباء إعطاء الأولوية للنشاطات التي تعزز صحتهم الجسدية والعاطفية والعقلية، مثل التمرينات والأكل الصحي وتقنيات الاسترخاء والانخراط في الهوايات أو الاهتمامات؛ إذ يمكن أن تساعد الرعاية الذاتية الوالدين على الشعور بمزيد من الإيجابية والنشاط، وقد تقلل أيضاً من مشاعر القلق والاكتئاب.

4. خبرات جديدة:

قد يكون الانخراط في تجارب جديدة علاجاً مفيداً لمتلازمة العش الفارغ؛ إذ يمكن للوالدين تجربة هوايات أو نشاطات أو وجهات سفر جديدة التي يمكن أن تُوفِّر إحساساً بالإثارة والحداثة، وربما تساعد هذه التجارب أيضاً الآباء على إعادة اكتشاف إحساسهم بالهوية والهدف خارج دورهم بصفتهم آباء.

5. الحفاظ على صلات الوصل:

يعد الحفاظ على العلاقات مع العائلة والأصدقاء جانباً هاماً أيضاً في علاج متلازمة العش الفارغ؛ إذ يمكن للوالدين بذل جهد للبقاء على اتصال مع أطفالهم، سواء من خلال المكالمات الهاتفية أم الرسائل النصية أم الزيارات، كما يمكنهم قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، وهذا يوفر الدعم الاجتماعي والشعور بالانتماء إلى المجتمع.

شاهد بالفيديو: كيف تحافظ على علاقات شخصية قوية؟

تشخيص متلازمة العش الفارغ:

1. تقييم الأعراض:

يبدأ تشخيص متلازمة العش الفارغ بتقييم الأعراض، فقد يطرح مقدم الرعاية الصحية أسئلة عن الحالة العاطفية للفرد، مثل مشاعر الحزن أو القلق أو الافتقار إلى الدافع، وقد يسأل أيضاً عن أي أعراض جسدية، مثل اضطرابات النوم أو تغيرات في الشهية، ويمكن أن يساعد هذا التقييم على تحديد ما إذا كان الفرد يعاني من أعراض متلازمة العش الفارغ.

2. التاريخ الطبي:

يمكن أيضاً أخذ التاريخ الطبي للمساعدة على تشخيص متلازمة العش الفارغ، فقد يسأل مقدم الرعاية الصحية عن أيَّة حالات صحية عقلية سابقة، مثل الاكتئاب أو القلق، إضافة إلى أيَّة أدوية أو علاجات حالية، فقد تساعد هذه المعلومات على تحديد ما إذا كانت أعراض الفرد مرتبطة بمتلازمة العش الفارغ، أو ما إذا كانت لديه حالات صحية أساسية أخرى يجب معالجتها.

3. الاختبارات التشخيصية:

في بعض الحالات، قد يتم طلب الاختبارات التشخيصية للمساعدة على استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى لأعراض الفرد، على سبيل المثال، قد يُطلب إجراء اختبارات الدم للتحقق من عدم توازن الغدة الدرقية أو المشكلات الهرمونية الأخرى التي يمكن أن تسبب اضطرابات المزاج، كما يمكن أيضاً طلب اختبارات مثل تخطيط الدماغ لاستبعاد أيَّة حالات عصبية.

4. التقييم النفسي:

يمكن أيضاً إجراء تقييم نفسي للمساعدة على تشخيص متلازمة العش الفارغ، فقد يشمل هذا التقييم مقابلات واستبيانات واختبارات أخرى لتقييم الحالة العقلية والعاطفية للفرد، وقد يساعد هذا التقييم على تحديد شدة أعراض الفرد وتحديد أيَّة حالات صحية عقلية أساسية قد تساهم في ظهور الأعراض.

في الختام:

تعد متلازمة العش الفارغ بمنزلة تحوُّل هام في الحياة، فقد يكون لها تأثير كبير في الصحة العقلية والجسدية للوالدين، وعلى هذا النحو، من الهام زيادة الوعي بالمتلازمة وتأثيراتها المحتملة، فربما يساعد هذا الأفراد على التعرف إلى علامات وأعراض متلازمة العش الفارغ والتماس العلاج والدعم المناسبَين.

متلازمة العش الفارغ لها أسباب متعددة العوامل، مثل العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية، في حين أنَّ بعض الأفراد قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالمتلازمة من غيرهم، فمن الهام إدراك أنَّ متلازمة العش الفارغ هي جزء طبيعي من دورة الحياة ولا تشير بالضرورة إلى اضطراب في الصحة العقلية.

قد يشمل علاج متلازمة العش الفارغ العلاج النفسي ومجموعات الدعم والأدوية وتغيير نمط الحياة، ومن الهام للأفراد الذين يعانون من المتلازمة أن يطلبوا العلاج من مقدم الرعاية الصحية الذي يمكنه المساعدة على وضع خطة علاج مناسبة، وربما يساعد التدخل المبكر على منع تطور حالات صحية عقلية أكثر شدة.

قدمت الدراسات الحديثة رؤى هامة عن متلازمة العش الفارغ، لكن توجد حاجة إلى مزيد من البحث لفهم المتلازمة وتأثيراتها بشكل كامل؛ إذ يجب أن تدرس الأبحاث المستقبلية استراتيجيات العلاج الفعالة وعوامل الخطر المحتملة للمتلازمة وتأثير متلازمة العش الفارغ في مجموعات سكانية مختلفة.

تعد متلازمة العش الفارغ جزءاً طبيعياً من دورة الحياة التي قد تكون لها تأثيرات كبيرة في الصحة العقلية والجسدية للوالدين، فإنَّ زيادة الوعي بالمتلازمة، والتعرف إلى أسبابها متعددة العوامل، والبحث عن العلاج المناسب، وتشجيع مزيد من الأبحاث هي خطوات هامة في تلبية احتياجات الأفراد الذين يعانون من متلازمة العش الفارغ.